وقد سبق تفسير فاتحتها إلى قوله تعالى: {فمنكم كافر ومنكم مؤمن} وفيه قولان:أحدهما: أن الله خلق بني آدم مؤمناً وكافراً، رواه الوالبي عن ابن عباس. والأحاديث تعضد هذ القول، كقوله عليه الصلاة والسلام: «خلق فرعون في بطن أمه كافراً، وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً»، وقوله: «فيؤمر الملك بأربع كلمات: بكتبِ رزقِهِ، وأجلِهِ، وعملِهِ، وشقيٌ أم سعيدٌ»والثاني: أن تمام الكلام عند قوله تعالى: {خلقكم} ثم وصفهم، فقال تعالى: {فمنكم كافر ومنكم مؤمن}، واختلف أرباب هذا القول فيه على أربعة أقوال.أحدها: فمنكم كافر يؤمن، ومنكم مؤمن يكفر، قاله أبو الجوزاء عن ابن عباس.والثاني: فمنكم كافر في حياته مؤمن في العاقبة، ومنكم مؤمن في حياته كافر، في العاقبة، قاله أبو سعيد الخدري.والثالث: فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب، قاله عطاء بن أبي رباح، وعنى بذلك شأن الأنواء.والرابع: فمنكم كافر بالله خلقه، ومؤمن بالله خلقه، حكاه الزجاج. والكفر بالخلق مذهب الدهرية، وأهل الطبائع. وما بعد هذا قد سبق إلى قوله تعالى: {وصوَّركم فأحسن صوركم} قال الزجاج: أي: خلقكم أحسن الحيوان كلِّه. وقرأ الأعمش {صوركم} بكسر الصاد. ويقال في جمع صورة: صُور، وصِور، كما يقال في جمع لحية: لِحىّ، ولُحىّ. وذكر ابن السائب أن معنى {فأحسن صُوَركم} أحكمها. وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: {ويعلم ما تسرون} روى المفضل عن عاصم {يسرُّون} و{يعلنون} بالياء فيهما {ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل} هذا خطاب لأهل مكة خوفهم ما نزل بالكفار قبلهم، فذلك قوله تعالى: {فذاقوا وبال أمرهم} أي: جزاء أعمالهم، وهو ما أصابهم من العذاب في الدنيا {ولهم عذاب أليم} في الآخرة {ذلك} الذي أصابهم {بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات} فينكرون ذلك، ويقولون: {أبشر} أي: ناس مثلنا، {يهدوننا؟!} والبشر اسم جنس معناه الجمع، وإن كان لفظه واحداً {فكفروا وتولَّوا} أي: أعرضوا عن الإيمان {واستغنى الله} عن إيمانهم وعبادتهم.